Saturday, October 14, 2017

ملكان ومتاهتان - خورخي لويس بورخيس

يحكي الثقاتُ (والله أعلم) أن ملكًا على جزر بابل عاش في الأيام الأوائل جمع بنائيه وسحرته؛ وأمرَهَم بتشييد متاهة من الإرباك والدقة حتّى لا يغامر أكثر الرجال حصافة على دخولها، ومن يدخلها يضلّ. كان البناء صادمًا، إذ أن الغموض والأعجوبة يُعدّان من الأفعال الخاصة بالله وحده وليس بالبشر. بمرور الزمن، أتى إلى بلاطه ملكٌ من العرب. وأراد الملك أن يسخر من سذاجة ضيفه فجعله يدلف إلى المتاهة التي هام فيها غاضبًا وحائرًا حتى انتهاء النهار. فطلب الملك العون الإلهيّ حتّى وجد الباب. لم تنبس شفتاه بأي شكوي ولكنه قال لملك بابل إن له في بلاد العرب متاهة أخرى إن شاء الله سيعرفه عليها يومًا ما. عاد الملك إلى بلاد العرب وجمع قادته ومستشاريه وغزا ممالك بابل، وحالفه الحظ فحطم قلاعها وهزم أهلها ووقع الملك نفسه في الأسر، فربطه على ظهر جمل سريع وحمله إلى الصحراء. ساروا ثلاثة أيام ثم قال له: "ياملك الزمان وصفوة العصر وماكره، في بابل، أردتَ تيهي في متاهة من البرونز كثيرة السلالم والأبواب والحوائط؛ أما الآن، فقد أراد القدير أن أريك متاهتي، حيث لا سلالم لتتسلق، ولا أبواب لتقتحم، ولا دهاليز لتتجوّل خلالها، ولا حوائط لتعيق مرورك". ثمّ حلّ أربطته وتركه في وسط الصحراء حيثُ مات من الجوع والعطش. ليكن المجد لذاك الذي لا يموت.

2015

No comments:

Post a Comment